سورة طه - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


{وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (113) فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (114)}
قوله تعالى: {وَكَذلِكَ} أي كما بينا لك في هذه السورة من البيان ف {- كَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا} 20: 113 أي بلغة العرب. {وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ} 20: 113 أي بينا ما فيه من التخويف والتهديد والثواب والعقاب. {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} أي يخافون الله فيجتنبون معاصيه، ويحذرون عقابه. {أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً} 20: 113 أي موعظة.
وقال قتادة: حذرا وورعا.
وقيل: شرفا، فالذكر هاهنا بمعنى الشرف، كقوله: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف 44].
وقيل: أي ليتذكروا العذاب الذي توعدوا به. وقرأ الحسن: {أو نحدث} بالنون، وروي عنه رفع الثاء وجزمها. قوله تعالى: {فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} 20: 114 لما عرف العباد عظيم نعمه، وإنزال القرآن نزه نفسه عن الأولاد والأنداد فقال: {فَتَعالَى اللَّهُ} أي جل الله {الْمَلِكُ الْحَقُّ} 20: 114، أي ذو الحق. {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} 20: 114 علم نبيه كيف يتلقى القرآن. قال ابن عباس: كان عليه السلام يبادر جبريل فيقرأ قبل أن يفرغ جبريل من الوحي حرصا على الحفظ، وشفقة على القرآن مخافة النسيان، فنهاه الله عن ذلك وأنزل: {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ 20- 114}. وهذا كقوله تعالى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة: 16] على ما يأتي.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: لا تتله قبل أن تتبينه.
وقيل: {وَلا تَعْجَلْ 20: 114} أي لا تسل إنزاله {مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ 20: 114} أي يأتيك {وَحْيُهُ}.
وقيل: المعنى لا تلقه إلى الناس قبل أن يأتيك بيان تأويله.
وقال الحسن: نزلت في رجل لطم وجه امرأته، فجاءت إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تطلب القصاص، فجعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لها القصاص فنزل {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ} [النساء 34] ولهذا قال: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً 20: 114} أي فهما، لأنه عليه السلام حكم بالقصاص وأبى الله ذلك. وقرأ ابن مسعود وغيره: {من قبل أن نقضي} بالنون وكسر الضاد {وحيه} بالنصب.


{وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (115)}
قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ} 20: 115 قرأ الأعمش باختلاف عنه {فَنَسِيَ 20: 88} بإسكان الياء وله معنيان: أحدهما- ترك، أي ترك الامر والعهد، وهذا قول مجاهد وأكثر المفسرين ومنه {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة 67]. ووثانيهما قال ابن عباس: {نسي} هنا من السهو والنسيان، وإنما أخذ الإنسان من أنه عهد إليه فنسي. قال ابن زيد: نسى ما عهد الله إليه في ذلك، ولو كان له عزم ما أطاع عدوه إبليس. وعلى هذا القول يحتمل أن يكون آدم عليه السلام في ذلك الوقت مأخوذا بالنسيان، وأن كان النسيان عنا اليوم مرفوعا. ومعنى {مِنْ قَبْلُ} أي من قبل أن يأكل من الشجرة، لأنه نهى عنها. والمراد تسلية النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أي طاعة بني آدم الشيطان أمر قديم، أي إن نقض هؤلاء العهد فإن آدم أيضا عهدنا إليه فنسي: حكاه القشيري وكذلك الطبري. أي وإن يعرض يا محمد هؤلاء الكفرة عن آياتي، ويخالفوا رسلي، ويطيعوا إبليس فقدما فعل ذلك أبوهم آدم. قال ابن عطية: وهذا التأويل ضعيف، وذلك كون آدم مثالا للكفار الجاحدين بالله ليس بشيء وآدم إنما عصى بتأويل، ففي هذا غضاضة عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما الظاهر في الآية إما أن يكون ابتداء قصص لا تعلق له بما قبله، وإما أن يجعل تعلقه أنه لما عهد إلى محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألا يعجل بالقرآن، مثل له بنبي قبله عهد إليه فنسي فعوقب، ليكون أشد في التحذير، وأبلغ في العهد إلى محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والعهد ها هنا في معنى الوصية، {ونسي} معناه ترك، ونسيان الذهول لا يمكن هنا، لأنه لا يتعلق بالناسي عقاب. والعزم المضي على المعتقد في أي شيء كان، وآدم عليه السلام قد كان يعتقد ألا يأكل من الشجرة لكن لما وسوس إليه إبليس لم يعزم على معتقده. والشيء الذي عهد إلى آدم هو ألا يأكل من الشجرة، وأعلم مع ذلك أن إبليس عدو له. واختلف في معنى قوله: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} 20: 115 فقال ابن عباس وقتادة: لم نجد له صبرا عن أكل الشجرة، ومواظبة على التزام الامر. قال النحاس: وكذلك هو في اللغة، يقال: لفلان عزم أي صبر وثبات على التحفظ من المعاصي حتى يسلم منها، ومنه. {فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 35]. وعن ابن عباس أيضا وعطية العوفي: حفظا لما أمر به، أي لم يتحفظ مما نهيته حتى نسي وذهب عن علم ذلك بترك الاستدلال، وذلك أن إبليس قال له: إن أكلتها خلدت في الجنة يعني عين تلك الشجرة، فلم يطعه فدعاه إلى نظير تلك الشجرة مما دخل في عموم النهي وكان يجب أن يستدل عليه فلم يفعل، وظن أنها لم تدخل في النهي فأكلها تأويلا، ولا يكون ناسيا للشيء من يعلم أنه معصية.
وقال ابن زيد: {عَزْماً 20: 115} محافظة على أمر الله.
وقال الضحاك: عزيمة أمر. ابن كيسان: إصرارا ولا إضمارا للعود إلى الذنب. قال القشيري: والأول أقرب إلى تأويل الكلام، ولهذا قال قوم: آدم لم يكن من أولي العزم من الرسل، لان الله تعالى قال: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً 20: 115}.
وقال المعظم: كان الرسل أولو العزم، وفي الخبر: {ما من نبي إلا وقد أخطأ أو هم بخطيئة ما خلا يحيى بن زكريا} فلو خرج آدم بسبب خطيئته من جملة أولى العزم لخرج جميع الأنبياء سوى يحيى. وقد قال أبو أمامة: أن أحلام بني آدم جمعت منذ خلق الله الخلق إلى يوم القيامة، ووضعت في كفة ميزان، ووضع حلم آدم في كفة أخرى لرجحهم، وقد قال الله تبارك وتعالى: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً 20: 115}


{وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى (116) فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى (117) إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (118) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى (119)}
قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى} تقدم في البقرة مستوفى. {فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما} 20: 117 نهي، ومجازه لا تقبلا منه فيكون ذلك سببا لخروجكما {مِنَ الْجَنَّةِ} {فَتَشْقى 20: 117} يعني أنت وزوجك لأنهما في استواء العلة واحد، ولم يقل: فتشقيا لان المعنى معروف، وآدم عليه السلام هو المخاطب، وهو المقصود. وأيضا لما كان الكاد عليها والكاسب لها كان بالشقاء أخص.
وقيل: الا خرج واقع عليهما والشقاوة على آدم وحده، وهو شقاوة البدن، ألا ترى أنه عقبه بقوله: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى 20: 118} أي في الجنة {وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى 20: 119} فأعلمه أن له في الجنة هذا كله: الكسوة والطعام والشراب والمسكن، وأنك إن ضيعت الوصية، وأطعت العدو أخرجكما من الجنة فشقيت تعبا ونصبا، أي جعت وعريت وظمئت وأصابتك الشمس، لأنك ترد إلى الأرض إذا أخرجت من الجنة. وإنما خصه بذكر الشقاء ولم يقل فتشقيان: يعلمنا أن نفقة الزوجة على الزوج، فمن يومئذ جرت نفقة النساء على الأزواج، فلما كانت نفقة حواء على آدم كذلك نفقات بناتها على بني آدم بحق الزوجية. وأعلمنا في هذه الآية أن النفقة التي تجب للمرأة على زوجها هذه الاربعة: الطعام والشراب والكسوة والمسكن، فإذا أعطاها هذه الاربعة فقد خرج إليها من نفقتها، فإن تفضل بعد ذلك فهو مأجور، فأما هذه الاربعة فلا بد لها منها، لان بها إقامة المهجة. قال الحسن المراد بقوله: {فَتَشْقى 20: 117} شقاء الدنيا، لا يرى ابن آدم إلا ناصبا.
وقال الفراء: هو أن يأكل من كد يديه.
وقال سعيد بن جبير: أهبط إلى آدم ثور أحمر فكان يحرث عليه، ويمسح العرق عن جبينه، فهو شقاؤه الذي قال الله تبارك وتعالى.
وقيل: لما أهبط من الجنة كان من أول شقائه أن جبريل أنزل عليه حبات من الجنة، فقال: يا آدم ازرع هذا، فحرث وزرع، ثم حصد ثم درس ثم نقى ثم طحن ثم عجن ثم خبز، ثم جلس ليأكل بعد التعب، فتدحرج رغيفه من يده حتى صار أسفل الجبل، وجرى وراءه آدم حتى تعب وقد عرق جبينه، قال: يا آدم فكذلك رزقك بالتعب والشقاء، ورزق ولدك من بعدك ما كنت في الدنيا. قوله تعالى: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى. وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى} 20: 118- 119 فيه مسألتان:
الأولى: قوله تعالى: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها} 20: 118 أي في الجنة {وَلا تَعْرى} 20: 118. {وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها 20: 119} أي لا تعطش. والظمأ العطش. {وَلا تَضْحى 20: 119} أي تبرز للشمس فتجد حرها. إذ ليس في الجنة شمس، إنما هو ظل ممدود، كما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. قال أبو العالية: نهار الجنة هكذا: وأشار إلى ساعة المصلين صلاة الفجر. قال أبو زيد: ضحا الطريق يضحو ضحوا إذا بدا لك وظهر. وضحيت وضحيت {بالكسر} ضحا عرقت. وضحيت أيضا للشمس ضحاء ممدود برزت وضحيت {بالفتح} مثله، والمستقبل أضحى في اللغتين جميعا، قال عمر بن أبي ربيعة:
رأت رجلا أيما إذا الشمس عارضت *** فيضحى وأما بالعشي فيخصر
وفي الحديث أن ابن عمر رأى رجلا محرما قد استظل، فقال: أضح لمن أحرمت له. هكذا يرويه المحدثون بفتح الالف وكسر الحاء من أضحيت.
وقال الأصمعي: إنما هو اضح لمن أحرمت له، بكسر الالف وفتح الحاء من ضحيت أضحى، لأنه أمره بالبروز للشمس، ومنه قوله تعالى: {وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى 20: 119} وأنشد:
ضحيت له كي أستظل بظله *** إذا الظل أضحى في القيامة قالصا
وقرأ أبو عمرو والكوفيون إلا عاصما في رواية أبو بكر عنه {وَأَنَّكَ} بفتح الهمزة عطفا على {أَلَّا تَجُوعَ 20: 118}. ويجوز أن يكون في موضع رفع عطفا على الموضع، والمعنى: ولك أنك لا تظمأ فيها. الباقون بالكسر على الاستئناف، أو على العطف على {إِنَّ لَكَ}.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11